(الشبك)
مقومات أساسية لقومية مستقلة
محمد
ابراهيم الشبكي
•
باحث في شؤون الأقليات
الشبك
فئة عراقية عرقية من الأقوام الارية التي سكنت مدينة الموصل قبل اكثر من 500 سنة
وعلى الرغم من اختلاف الروايات التاريخية التي رواها عدد من المؤرخين لكن الحال ان
الشبك هم ظاهرة سكانية متميزة بتميز عادتهم وتقاليدهم و يتوزع الشبك في منطقة سهل
الموصل في جغرافيا على شكل مثلث منقلب القاعدة تشكل قراهم (حوالي السبعين قرية)
هلال يسميه البعض بمنطقة سهل نينوى في الشمال الشرقي لمدينة الموصل (وهي منطقة تقع
بين الحدود الادارية لاقليم كردستان ومدينة الموصل) يمتد الضفة الغربية لنهر الزاب
الكبير من ناحية تلكيف والى ناحية بعشيقة وناحية برطلة وقضاء الحمدانية (قراقوش)
وقضاء النمرود و يمتد على طوال (70) قرية إضافة إلى سكن أعداد كبيرة منهم في مركز
مدينة الموصل في عدة احياء . يقدر اعداد الشبك بأكثر من 250 الف نسمة. ويعيشون
جنبا الى جنب مع اخوتهم المسحيين والايزيديين والتركمان والعرب والاكراد.
عانى
الشبك مثل كل الفئات العراقية من هذه الاشكالية المفتعلة التي لاتطبق الا على
العراق وهو البحث عن اصل خارجي مفترض فلا يكفي الشبك ان يثبتوا انهم يعيشون في العراق
منذ قرون طويلة بل عليهم ان يثبتوا اصل ما خارجي قدموا منه لهذا فقد انهالت عليهم
الفرضيات حول اصولهم: ميديين،ساسانييين، صفويين، اتراك قزلباشية.
ان للشبك كل مقومات القومية الاساسية المستقلة عن القوميات الاخرى وهناك من بين
الوثائق والمذكرات الصادرة من الحكومات العراقية المتعاقبة ما يؤكد ان الشبك قومية
مستقلة وقـــــــد جاء في احدى المذكرات الخاصة بتفتيش منطقة الحمدانية ذات
الاغلبية الشبكية ( مذكرة رقم 541 عام 1952 م ) بأن منطقة الحمدانية تتكون من
عــــــــدد من القوميات اكثرهم عددا القومية الشبكية ومن ثم القومية العربية
والكردية والتركمانية والمسيحيين وهذا اعتراف واضح وجلي من الحكومة الملكية
العراقية باستقلالية الشبك عن الاخرين واعتبارهم قومية اخرى اضافة الى القوميات
الموجودة في العراق.
لغة الشبك:
إن
للغة دورا هاما وجوهريا في تحقيق الثالث الاجتماعي والانسجام العاطفي والوحدة
الروحية بين ابناء الامة الواحدة وليس ادل على ذلك من اعتبار اللغة اهم العوامل
التي يمكن بواسطتها التمييز بين الامم المختلفة ويعتبر اللغة أحد العناصر الاساسية
لتكوين الامة. فالشعوب التي تتلكم لغة واحدة هي في الاصل واحد على الاقل ترجع
معظمها الى اصل واحد, ويقول (خضوري) اللغة هي الوسيلة التي يستطيع بها الانسان ان
يدرك هويته فهي ليست مجرد وسيلة لنقل القضايا الفكرية او العقلية, بل انها التعبير
الخارجي لتجربة عميقة وخلاصة تاريخ محدد وتراث لتقاليد متميزة.. كذلك للشبك لغتهم
الخاصة هي تنتمي الى مجموعة اللغات الارية الهندو اوربية، وهي لغة بحد ذاتها
وتتميز بمفرداتها الخاصة واسلوب لفظها على الرغم من احتوائها على كلمات دخيلة من
اللغات الاخرى بسبب التداخل الجغرافي مع الاثنيات الاخرى . وقد جرت عدة محاولات
لتدوين اللغة الشبكية وتعليمها وهناك تعاون مع منظمات دولية من اليونسكو لتعليم
اللغة الشبكية في مناطق تواجدهم في محافظة نينوى.
الواقع
الاجتماعي والفولكلور:
قد
لا يختلف الواقع الاجتماعي للشبك عن واقع الشعب العراقي بشكل عام الا في حدود
نسبية في بعض معتقداته ولغته وعاداته وتقاليده وخصوصيته ضمن مكونات الشعب العراقي
الأخرى. فأبناء القومية الشبكية لهم مزايا عريقة واصيلة يعتز جميع من ينتمي اليها
ومن ابرز ما يميز الشبك هو لباسهم الشعبي الجميل الذي استطاع ابناؤه الحفاظ عليه
على الرغم من الغزوات الثقافية الذي حدثت وغيرت الكثير من معالم القوميات الاخرى
.اما الادب الشبكي ادب شفاهي رغــــــم وجود عدة كتب و نصوص من اشعار دينية
وتراثية وهذا يمكن ان يدل على شرخ بين الثقافة والتقاليد في المجتمع الشبكي الذي
عاش بعيدا عن الهوية قريبا من التراث.
الحياة
الاقتصادية
فيمتاز
الشبك بامتلاكهم أراض زراعية شاسعة سهلة وخصبة في سهل نينوى تزرع بمحصولي الحنطة
والشعير وبمساحات واسعة, فضلا عن تربية الماشية والسيطرة على تجارة اللحوم الحمراء،
أما على صعيد التجارة المحلية فينفردون بامتلاكهم عشرات الشركات الخاصة واساطيل
نقل وتجارة النفط والبضائع التجارية داخل العراق وخارجه والتي تكونت نتيجة قيامهم بتأسيس
الشركات المساهمة والتضامنية وكل ذلك ادى الى انخفاض نسبة البطالة بين ابناء
المجتمع الشبكي.
عقيدة
الشبك:
لم
تسلم عقيدة الشبك الدينية من التشويه والتشكيك حتى في انتمائهم الى الاسلام فقد
ذهب البعض الى اعتبارهم من فرق الغلاة والخارجين عن الاسلام بل عدهم البعض من
اتباع ديانة خاصة ولهم كتابهم المقدس وممارساتهم وطقوسهم الخاصة بهم لأغراض
طائفية. والحقيقة أن جميع الشبك هم مسلمون وكتابهم المقدس هو القران والنسبة
الغالبة منهم( ما يقارب الـ 70%) من الشيعة الامامية (الاثنى عشرية) والباقون من
الاخوة السنة ولكن رغم انقسامهم المذهبي فانهم يشتركون بميراث عقائدي طقوسي خاص من
(ميراث العرفان والتصوف) لتاثرهم في زمن معين ببعض الطرق الصوفية ومنها الطريقة
البكتاشية التي كانت عقيدة الجيش الانكشاري العثماني .وكانت لها عدة تاثيرات
اجتماعية سوسيولوجية يمكن ان ننتطرق لها في وقت اخر.
الواقع السياسي
تعرض
الشبك الى اضطهاد واضح خاصة خلال حرب الخليج الاولى واتهام عدد كبير منهم بولاء
خارجي وهذه ما تؤكده الوثائق الصادرة عن جهاز الامن الخاص وجهاز المخابرات
الموجودة بين ايدينا علما ان الشبك قدموا الكثير من الشهداء والمفقودين والاسرى
والمعوقين في الحرب العراقــية الإيرانية. وطيلة العقود الماضية منع الكثيرون من
ابناء الشبك من اكمال دراساتهم او تعيينهم في المناصب المهمة في الدولـــة بسبب
التشكيك بولائهم وصدر اول مرسوم جمهوري و (المرقم 718 لسنة 1984) الخاص بإعدام عدد
من ابناء القومية الشبكية بتهم سياسية. ولم تكتف الحكومة السابقة بهذا بل تمادت في
اجراءاتها بطمس هويتهم من خلال سياسة تعريب المنطقة وفرض الهوية العربية عليهم
قسرا. وعلى هذا الأساس قامت الحكومة بترحيل وتهجير أكثر من ثلاثة الاف عائلة شبكية
(الوثيقة رقم 1741 في 10/نيسان 1990) فبعد ان تم تدمير البيوت أمام ساكنيها أدى
ذلك إلى تدمير 30 قرية من قرى الشبك ومصادرة عقاراتهم.
بعد 9/ 4/ 2003 بدأ الشبك بالتحرك السياسي لملىء الفراغ الذي ابعدو عنه ابان
الفترة السابقة وتفائل الشبك بتغيير النظام في العراق وعقدوا الآمال على قدرتهم
على إبراز خصوصيتهم ضمن اطياف الشعب العراقي وايصال صوتهم والتمتع بحقوقهم
المشروعة للحفاظ على هويتهم .
وحققوا انجازات عديدة منها إنشاء اول كيان سياسي
يمثلهم سياسيا واجتماعيا ضمن القوى الوطنية العراقية في 20/ ايار 2003 ودخلوا الى
مجلس محافظة نينوى كاول تمثيل سياسي لهم بأكثر بالاضافة الى اعضاء مجالس محلية
وبلدية في اكثر من وحدة ادارية في المناطق التي غالبية سكانها من الشبك وافرز
نشاطهم السياسي مرشح منهم في الجمعية الوطنية الذي مثله حنين القدو وكذلك مجلس
النواب العراقي الدورة الاولى الممثل. كما أثمرت هذه الجهود تضمينهم في ديباجة
الدستور العراقي مع الأقليات العراقية الأخرى أسوة بها. إن للشبك علاقة طيبة مع اخوانهم
الكرد والعرب والتركمان واليزيديين والمسيحين في المنطقة ولهم علاقات تاريخية طيبة
معهم حيث يجب ان لاتفسر هذه العلاقة الطيبة على انها علاقة ولاء وتبعية تخول
الاخرين الحديث نيابة عنهم لا سيما أننا نتحدث عن عراق ديمقراطي. فما زالت
الأقليات في العراق تعاني من سيطرة الكتل السياسية الكبيرة حتى داخل البرلمان وهذا
على ما أعتقد حال الأقليات في جميع انحاء العالم اذ انها تظل تعاني من الدكتاتورية
سواء من السلطات الدكتاتورية أو من الأكثرية البرلمانية ونأمل ان تكون هذه العقبات
قصيرة الامد وان تكون الشعارات التي تطرح في عراق اليوم حقيقية وتقترن بالأفعال،
نحن بحاجة اليوم الى جهود الخيرين لاحترام حقوق الأقليات وفسح المجال امامها
للتعبير عن رأيها وتحديد وجهتها بما ينسجم والمبادى الديمقراطية وبما يقوي وحدة
العراق.. تعرض الشبك بعد سنة 2003 ونتيجة لاحداث العنف الطائفي التي حدثت في
العراق بصورة عامة وفي مدينة الموصل وهذه الانتهاكات مؤكدة بوثائق واحصائيات بعض
المنظمات المهتمة بشؤون الاقليات وكذلك وزارة حقوق الانسان التي اقرت في تقريرها
المنشور لسنة 2007 بان الشبك هم اكثر الاقليات العراقية تعرضا للعنف بكل انواعه
حيث يذكر التقرير سنة 2007 ان هناك اكثر من 500 شهيد وثلاثة الاف عائلة مهجرة عند
الشبك الا ان الرقم ازداد خصوصا بعد احداث قرية خزنة من سنة 2008 وما تبعها من
عمليات استهداف اخرى جيث ارتفع الخط البياني حول استهداف الشبك خلال سنة 2008
و2009 لتصل الاحصائية الى 1200 شهيدا وستة الاف مهجر ولبيدأ الخط البياني
بالانخفاض مرة اخرى نهاية 2009.
مضى اكثر من ستين سنة من اصدار اول وثيقة رسمية تعترف بالشبك كاقلية قومية وبعد
2003 فكان قانون الانتخابات هو اول قانون رسمي يذكر فيه اسم الشبك وهو قانون
الانتخابات لسنة 2006 المعدل وقانون التمثيل النسبي (الكوتا 50) الخاص بمجالس
المحافظات لسنة 2009 . اما اذا قلنا ما الذي ينتظره الشبك من الحكومة العراقية
الجديدة هو اشاع روح التسامح والاخوة بين العراقيين والاعتماد على مبدا المواطنة
الحقيقية ونشر ثقافة التعددية الاثنية والقومية بين ابناء الشعب العراقي والاخذ
بمبدأ التمايز الايجابي خاصة في ما يتعلق بمسالة المناهج الدراسية حيث تم رصد عديد
من الاخفاقات فيها تتحدث الشبك كاقلية غير مسلمة (مع كل احترامنا لكافة الاديان في
العراق) وهي في مادة التربية الوطنية للصف الخامس الابتدائي (ص21) ومشكورا جهد
وزراة التربية التي قامت مؤخرا بتعديل ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق