أولا : تسمية الأقليات :
لقد كان تسمية ( الأقليات ) لمكونات العراق الدينية ( غير المسلمة ) والقومية ( غير العرب والأكراد ) إشكالية معنوية لها صلة ( بكرامة ) المكون لا أكثر، أن تسمية هذه المكونات بالأقليات هو أقرب إلى الواقع من باقي التسميات لان هذه التسمية مقترنة بالواقع العددي قياسا إلى باقي المكونات التي تتكون اكبر عدداً من المكونات التي هي اقل عددا ، هذه هي حقيقة واقعية للاسم أذا ما ابتعدنا عن التقليل من قيمة هذا المكون أو ذك ، وهناك مسألة مهمة جدا تجبر من يتعامل مع هذه المكونات أن يستخدم مصطلح ( الأقليات ) لان هذا الاسم معتمد رسميا ودوليا من قبل المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والأقليات إضافة إلى اعتماده في اللوائح والقوانين الدولية لحقوق الإنسان وشرائع الأمم المتحدة ، إن جميع هذه المنظمات الدولية تستخدم مصطلح MINORITES وأن أي تسمية أخرى غير هذا المصطلح سيعطي معنى آخر ويبعد نشاطات هذه المكونات عن الهدف .
يبقى أن نؤشر على أن اعتراض بعض هذه المكونات على تسمية الأقليات نابع من الثقافة الشرقية لأبناء هذه المكونات وما لها من مدلولات تقلل من شان المكون ، وتبقى تسمية الأقليات هي التسمية المناسبة والأسلم لهذه الشرائح.
ثانيا : مكونات الأقليات العراقية :
تتكون الأقليات على ارض الواقع العراقي من صنفين من الأقليات ( دينية ) أو ( قومية ) وهناك بعض هذه
الأقليات تشترك في كونها ( دينية وقومية ) .
الأقليات الدينية العراقية هي :
المسيحيون
الصابئة المندائيون
الايزيديون
اليهود
البهائيون
الكاكائيون وبعض الديانات الصغيرة في كوردستان العراق
الزرادشتيون
الأقليات القومية العراقية هي :
التركمان ........................ (غالبيتهم مسلمون سنة ، ومسلمون شيعة ، ومسيحيون )
الكورد الفيليون................ (مسلمون شيعة )
الكلدان الآشوريون السريان ( مسيحيون كاثوليك وآرثدوكس )
الشبك ........................... ( غالبيتهم مسلمون شيعة ، ومسلمون سنة )
الارمن .......................... ( مسيحيون كاثوليك وآرثدوكس )
الشركس ....................... (مسلمون سنة )
ومما يجدر ذكره هنا أن هناك شرائح من مكون كبير عموما يعيشون في مناطق تواجد شرائح تعتبر أقلية بالقياس إلى الأخرى فتنعكس الصورة وتصبح الأغلبية أقلية في مكانها هذا ومثال على ذلك :
1- أن وجود مسلمون شيعة يعيشون في الرمادي أو وجود مسلمون سنة في مدن العمارة أو البصرة أو الناصرية يعتبرون أقلية قياسا بالمكون الكبير للآخرين .
2- إن وجود كورد يعيشون خارج كوردستان يعتبرون أقلية في أماكن معيشتهم .
3- إن وجود الكلدان الأشوريين السريان وكذلك الايزيديون خارج قرى سكناهم في سهل نينوى يعتبرون أقلية وفي سهل نينوى هم أغلبية ويكون العكس هم الصحيح بالنسبة لباقي المكونات الدينية والقومية الذين يعيشون داخل قرى سهل نينوى .
ثالثا :الضغوطات التي تتعرض لها الاقليات العراقية :
1- الضغوطات الدينية : من المعروف أن أكثر من 90% من الشعب العراقي يدين بالدين الإسلامي وهم أيضا منقسمين إلى مذهبين ( الشيعة ) يتجمعون غالبيتهم في جنوب ووسط العراق و ( السنة ) يتمركزون في مدن الوسط وشمال شمال غرب العراق ، ويعتبر الدين الإسلامي بمذهبيه الشيعي والسني الدين الرسمي للدولة وبسبب ما تعرض له العراق من تعقيدات سياسية خلال العقود الخمسة المنصرمة برزت إلى السطح تيارات دينية سياسية متطرفة تصارعت فيما بينها لبسط هيمنها على ما تتمكن من مساحات جغرافية تضمن لها وجودها بعد أن دخل العراق بحرب طائفية كادت أن تمزقه ولازال هذا التهديد قائما يهدد وحدة العراق .
لم يمر على العراق اضطهاد للأقليات الدينية بشكل علني وسافر إلا ما حدث لليهود العراقيين بعد حرب عام 1948 وما حدث بعدها بإسقاط الجنسية العراقية عنهم وتهجيرهم خارج العراق وحدوث بعض عمليات السلب والنهب لممتلكاتهم . لقد كانت هناك أيضا انتهاكات لحقوق الأقليات الدينية لكنها لم ترتقي إلى مستوى الانتهاكات المنظمة والجماعية ولم تؤثر على الواقع الديموغرافي للعراق حتى ما رأيناه من أحداث طائفية مؤسفة حصلت في العراق بعد أحداث عام 2003 حيث شمل الاضطهاد كل الأقليات العراقية وبإشكاله المختلفة من تهجير واختطاف وقتل وتسليب وإجبار لاعتناق دين أخر وملاحقة النساء من الأقليات وإجبارهن على ارتداء الزي الإسلامي ومضايقتهن لاعتناق الدين الإسلامي وقطع أرزاق أبناء الأقليات بمنع مزاولة مهنهم وغير ذلك من الممارسات غير الإنسانية وفي بعض الأحيان شملت أيضا شرائح كبيرة من الاغلبيات وجرى اضطهادها في أماكن مختلفة وحصلت عمليات فعل ورد فعل ضمن الاقتتال الطائفي الذي طال اغلب مساحة العراق واثر في واقعه الديموغرافي .
2- الضغوطات السياسية : لقد كان للشعور الداخلي لدى أبناء الأقليات بالاضطهاد والتمييز والتهميش طيلة العقود الماضية وما قبله محفزا لهذه الأقليات كي تسعى للانضمام للحركات السياسية التي تبنت مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة وتبنت الفكر التقدمي وهذا ما جعلها تتقاطع مع الأنظمة السياسية المتلاحقة التي توالت على حكم العراق فطال ما طال هذه التنظيمات والأحزاب السياسية من قمع وملاحقة وعنف وتشريد وتهميش إضافة إلى ما كانوا يعانون منه بالأساس ، لقد كان لهذه الأقليات الدينية والقومية الأثر الكبير والواضح في المشاركة السياسية في هذه الأحزاب والتيارات اليسارية التقدمية وعلى سبيل المثال المشاركة الفعالة والأساسية لليهود والمسيحيون والصابئة المندائيون والكورد الفيليون والأرمن في تأسيس ونضال الحزب الشيوعي العراقي منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى بداية القرن الحادي والعشرون .
3- الضغوطات الثقافية : نتيجة للتهميش الذي لحق بهذه الأقليات وما انعكس من تأثير مباشر على الواقع الثقافي لهذه الأقليات لم يستطيع أبناء الأقليات تعليم أولادهم في الغالب لغتهم الخاصة بهم لعدم وجود مدارس ترعى هذا الحق وعدم وجود مراكز وبرامج ترعى النشاطات الثقافية لهذه المكونات وترعاها بشكل منظم وعلمي بسبب الإهمال المتعمد فكانت النتيجة اضمحلال الخصوصية الثقافية لهذه الأقليات واندثار وتلاشي الكثير من هذه القيم والثقافات الأصيلة وجاءت النتائج بسبب الثقافة المتعنصرة للفكر الشمولي الشوفيني المنحاز للقومية العربية فقط وتهميش لكل ما هو غير ذلك .
4- الضغوطات الاجتماعية : لقد عانى أبناء الأقليات من الضغوطات الاجتماعية وكان ذلك واضحا من خلال التمييز داخل المجتمعات الإسلامية التي كانت تحيط هذه الأقليات من كل جانب بالرغم من وجود شرائح كبيرة من أبناء المجتمع العراقي صديقة ومخلصة لهذه الأقليات لكن يبقى أبناء الأقليات يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية لأنهم يلمسون التمييز بالتعامل الاجتماعي معهم وان كثير من حقوقهم ضائعة ومهدورة فيما يخص القوانين التي لاتنصفهم في خصوصياتهم القومية والدينية ويشعرون بالتهميش في الكثير من الأمور فهم مهمشون بتولي إدارة الوظائف التي يستحقونها بجدارة إلا ما ندر وهم المتميزون بإخلاصهم وتفانيهم ومهنيتهم وهذا يشهد له كل من عمل معهم عن قرب .
رابعا : نشاطات مجلس الأقليات العراقية :
لقد تأسس مجلس الأقليات العراقية عام 2005 بمبادرة من ناشطي طائفة الصابئة المندائيين وشخصيات من بعض الأقليات الأخرى وتم اعتماد الأقليات الدينية والقومية التالية ( الصابئة المندائيون ، الكلدان الاشوريين السريان ، الايزيديون ، الشبك ، الأرمن ، الكورد الفيليين ، التركمان ) وقد تم اعتماد نظام داخلي للمجلس وتم تسجيله كمنظمة مجتمع مدني وبدأت أعماله بنشاط بعد أن استقطب العديد من الشخصيات المهمة من الناشطين السياسيين من أبناء هذه الأقليات وكانت باكورة أعماله هي العمل على تثبيت جميع الأقليات في الدستور العراقي الجديد وقد نجح نسبيا في ذلك وما نراه اليوم في الدستور من إشارات إلى الأقليات إلا ثمرة من ثمرات هذا النضال ، ثم نشط المجلس بالدفاع عن حقوق أبناء الأقليات وكان ذلك متزامنا مع الظروف العصيبة التي مرت على العراق خلال السنوات القليلة الماضية فتم التعاون مع منظمات حقوق الإنسان العالمية بإنشاء مراصد في جميع مناطق تواجد الأقليات في العراق لرصد جميع الانتهاكات التي يعاني منها أبناء الأقليات كذلك كان لمجلس الأقليات الشرف بمراقبة انتخابات عام 2005 وضبط الانتهاكات والتزوير الذي حصل فيها وتم تثبيتها رسميا إلا أن التوافق السياسي لم يسمح لتقارير مجلسنا بالظهور ، كما تم تنظيم العديد من الدورات التدريبية لأبناء الأقليات بالتعاون مع منظمات عالمية معتمدة وتم زج العشرات من أبناء الأقليات بهذه الدورات داخل وخارج العراق وعلى سبيل المثال أقام مجلسنا دورة لتعليم موضوع ADVOCASY
وكذلك تنشيط عمل المرأة في الأقليات وعمل استبيان كبير لنساء الأقليات بالتعاون مع مركز عالمي لحقوق الإنسان والمرأة ، كذلك دورات لتنمية القدرات وإعداد القيادات الريادية للأقليات وقد كان هذا التعاون مع مؤسسات عالمية كبيرة مثل معهد السلام الأمريكي والبرتش كونسل ومنظمة الأقليات العالمية في لندن والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة ( اليونامي )والحكومة الكندية وغيرها ، ولازال المجلس يعمل تحت اسم ( منظمة الأقليات العراقية ) بعد أن صدرت تعليمات حددت التسميات الخاصة بمنظمات المجتمع المدني العراقية فتغيرت كلمة ( مجلس ) إلى كلمة ( منظمة ) .
خامسا : ملاحظات مهمة :
أود أن أؤكد على موضوع مهم جدا ألا وهو أن الضامن الأساسي لحقوق الأقليات هي الدولة الديمقراطية الحقيقية وليس الديموقراطية المزيفة وإذا ما علمنا أن مبدأ منح حقوق الأقليات والاعتراف من الأغلبية بهذه الحقوق واحترامها يشكل إحدى الثوابت الأساسية لبناء الديمقراطية وبدون هذه الحقيقة ستكون الديمقراطية عرجاء ولا تقوم لها قائمة ولا يمكن تسمية أي دولة بالديمقراطية بدون الاعتراف ومنح حقوق الأقليات كاملة .
كما أن هناك نقطة مهمة أخرى وهي أنها اشد خطورة على البناء الديمقراطي الحقيقي وتتمثل في أن بعض الكتل السياسية تقوم بابتلاع بعض الأقليات بدوافع جيوبوليتكية طمعا بالسيطرة على الأراضي التي تقيم عليها هذه الأقليات وبحجج مختلفة وبادعاءات تصل إلى تذويب تلك الأقليات ضمن اكثريات مستغلين الفلتان الأمني وغياب السلطة المركزية وقوانين حقوق الإنسان ويعتبر ذلك التفاف سافر وإساءة لهذه الأقليات لغمط حقوقها التاريخية .
ختاماً: أن ولادة عراق ديموقراطي يعترف بكل مكوناته الدينية والقومية تتساوى فيه جميع مكوناته هو الكفيل ببناء دولة عصرية ديمقراطية متقدمة قوية تراعى فيها مباديء العدالة الاجتماعية للجميع .
بقلـــــم : نـــزار يـاســر الحيـــدر
نائب رئيس مجلس الأقليات العراقية
دمشق 27 تموز 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق