الاقليات العراقية والنموذج الفيدرالى العراقى:دراسة تحليلية - مجلس الاقليات العراقية

اخر الأخبار

الأربعاء، 1 فبراير 2012

الاقليات العراقية والنموذج الفيدرالى العراقى:دراسة تحليلية

 

الاقليات العراقية والنموذج الفيدرالى العراقى:دراسة تحليلية

الدكتور حنين محمود القدو: عضو مجلس النواب, الدورة الاولى


 المقدمة

لاحظ العديد من المراقبين ان تبنى بعض الدول للمؤسسات السياسية الفيدرالية قد نال اهتماما متزايدا فى انحاء العالم خلال السنوات الماضية, ويوجد فى الوقت الحاضر مايقارب من 24 دولة فيدرالية والتى تضم مايزيد عن 40% من سكان العالم1,وتضم هذه الفيدراليات دولا كبيرة من حيث عدد السكان وتعتبر من اكبر الدول الديموقراطية فى العالم واكثرها تعقيدا مثل الهند, والولايات المتحدة,والبرازيل ,والمانيا والمكسيك,لقد ادى نظام الحكم فى هذه البلدان الى ان تصبح بعض الانظمة الفيدرالية فيها من بين اكثر دول العالم ازدهارا وتقدما وثراء.لكن لابد لنا ان نبين فى هذا السياق بان معظم الاتظمة الفيدرالية كانت عبارة عن كيانات منفصلة سابقا مثل الولايات المتحدة الامريكية التى كانت تتكون من ثلاثة عشر مستعمرة, والكانتونات السويسرية التى اتحدت مع بعضها لتشكل حكومة فيدرالية , ولكن هناك ايضا بعض الدول التى كانت تتمتع بحكومات مركزية مثل اسبانيا,بلجيكا,جنوب افريقيا والعراق التى تحولت الى حكومات فيدرالية. وبالرغم من النجاحات التى حققتها بعض انظمة الحكم الفيدرالى فى بعض الدول من خلال القدرة على احتواء مطالب الجماعات القومية والاثنية والدينية المتعددة ومواجهة اعباء وضغوطات هذه المطالب المتعددة والمتنافسة احيانا, الا ان النظام الفيدرالى ابعد مايكون عن الكمال وفى الواقع لايوجد نظام فيدرالى متكامل, وقد تنشأ اضطرابات وفوضى فى الانظمة الفيدرالية بسبب نظام الطبقات و قد تدفع ببعض الجماعات الى استهدلف شرائح اثنية او عرقية او دينية او مذهبية معينةو وخاصة فى الانظمة الفيدرالية المبنية على اساس الهويات التعددية العرقية او الدينية او المذهبية .

ان التحول من دولة احادية الى دولة فيدرالية مثل العراق وبلجيكا قد يؤدى الى الفوضى والانشقاق والمطالبة بالانفصال وفى بعض الاحيان الى النزاع الاثنى.لقد تعرضت انظمة شبه فيدرالية مثل الاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا الى الانهيار فى التسعينيات من القرن الماضى.ولهذا نجد بان الهياكل الفيدرالية لم تنجح تماما فى كبت جماح الحركات الانفصالية ومن المحتمل ان لاتنجح نهائيا كما هو الحال فى كندا حيث طالبت مقاطعة كيبك باجراء استفتاء على موضوع الانفصال. ولهذا نجد ان استخدام مصطلح الفيدرالية فى دساتير بعض الدول يسبب الكثير من القلق لدى السياسيين ومن بينها بعض القيادات السياسية فى العراق , لان مفهوم الفيدرالية يشير الى تجزئة السلطة السيادية للدولة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم, ولهذا السبب نلاحظ بان الحكومة الاسبانية وحكومة جنوب افريقيا قد تفاديا استخدام مصطلح الفيدرالية فى دساتيرهما الوطنية.وليس من الغريب ان نلاحظ بان بعض السياسيين العراقيين الرافضين لفكرة تطبيق الفيدرالية فى العراق يحاولون التشبث بمفهوم الفيدرالية الادارية كنوع من انواع الادارة اللامركزية والسبب فى هذا الخلط قد يعود الى عوامل نفسية فى عدم تقبل فكرة النظام الفيدرالى المبنى على اساس تقاسم السلطة بين الحكومة المركزية من جهة والوحدات المكونة لها من جهة اخرى, لان الوحدات المكونة للنظام الفيدرالى تتمتع فى الكثير من الاحيان باركان الدولة البسيطة كافة عدا مظهر السيادة الخارجية كما هو الحال فى سويسرا وبلجيكا.ولكن يجب التاكيد فى هذا السياق على ان سلطات وصلاحيات الوحدات المكونة للحكومة الفيدرالية تتفاوت من نظام الى اخر ومن دولة الى اخرى.وبكلمة اخرى ان طبيعة وخصائص النموذج الفيدرالى يعتمد على مدى سعة الصلاحيات الممنوحة للوحدات الفيدرالية وليس على اساس استخدام مصطلح الفيدرالية او عدم استخدامه فى دساتيرها.فمثلا ان المانيا تشدد على استخدام مصطلح (الفيدرالية) الاتحادية الا ان نموذجها الفيدرالى يكاد ان يكون نموذجا لامركزيا للحكم,اما النموذج الفيدرالى السويسرى يكاد ان يكون نموذجا قريبا من الكونفدرالية بالرغم من ان الدستور السويسرى لايستخدم مصطلح الفيدرالية.

ان الاقليات العرقية او الدينية او اللغوية فى الانظمة الفيدرالية والتى تشكل نسبة كبيرة من السكان فى دولة ما قد تطالب بالمزيد من الصلاحيات او انظمة حكم قريبة من دولة ذات سيادة والتى قد تشجع فى النهاية على الانفصال والتشرذم والدخول فى صراعات على الحدود الادارية تارة وعلى الموارد الطبيعية تارة اخرى ,ان الاقرار بالخصوصية الثقافية والقومية والمذهبية فى دولة ما يجب ان لايكون على حساب وحدة البلد,ولهذا نلاحظ بان الدستور الفرنسى ونظامه السياسى يقر بمبدأ المواطنة وليس بمجتمع متعدد المستويات الادارية مبنية على اساس التعدد الثقافى او الدينى والعرقى وترفض مطالبة الاقليات بحقوق وامتيازات استثنائبة ويعد مطالبة الاقليات بمكانة مميزة وحصرية فى المجتمع الفرنسى او الاعتراف باختلافها وخصوصياتها غير شرعى ويؤكد الدستور الفرنسى على ان الخيار الوحيد للاقليات هو الاندماج الطوعى فى الامة الفرنسية .

النموذج الفيدرالى العراقى والاقليات العراقية:

الفيدرالية اداة من ادوات التنظيم الادارى والحكومى والسياسى والتى تقسم بموجبه نشاطات ومهمات الحكومة بين الحكومة الاتحادية الفيدرالية من جهة وحكومات الوحدات المكونة للحكومة الاتحادية كالاقاليم او المقاطعات او الولايات من جهة اخرى, ويمكن القول ايضا بان النظام الاتحادى الفيدرالى هو النظام الادارى السياسى اللامركزى الذى تكون فيه سيادة الدولة مقسمة دستوريا بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية التابعة للاقاليم بحيث تكون تداول السلطة فيها سلمية وجماعية من قبل الحكومتين .وتعتبرالاقاليم او الولايات وحدات دستورية لديها نظامها الاساسى الذى يحدد لها سلطاتها التشريعية القضائية والتنفيذية. ومن المعروف ان مصطلح الفيدرالية كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية(Feodus) ويعنى الاتحاد او الاتفاق يتم قبوله بين كيانات قد تكون مستقلة من خلال نؤسسات دستورية من اجل تحقيق اهداف مشتركة. فالفيدرالية وفق هذا المفهوم تشير الى نظام حكومى وسياسى وادراى متعدد المستويات تقوم على اساس قواعد وبنود دستورية واضحة تجمع ما بين الوحدة والتعددية وتعمل على استيعاب الهويات المميزة والحفاظ عليها وتعزيزها , ومن احد مبررات نشوء النظم الفيدرالية هى الحفاظ على وحدة الدولة مع الاخذ بنظر الاعتبار ضمان حقوق ومصالح الاقليات اللغوية, الدينية والعرقية والمذهبية والمقاطعات الجغرافية فى مواجهة طغيان حكم الاغلبية.

ان المطالبة بتبنى نظام الحكم الفيدرالى غالبا مايكون مطلبا للاقليات فى كل دول العالم لحماية نفسها من هيمنة الاكثرية على مقاليد الحكم وتهميش مصالحها الثقافية و التعليمية و للحفاظ على خصوصياتها ,ولكن ماحدث فى العراق بعد سقوط النظام السابق كان للاغلبية العربية والكردية التى تشكل نستبهم مايقارب من 80% من نفوس العراق دعوات ومواقف واضحة بالمطالبة بتطبيق نظام الحكم الفيدرالى فى العراق.ولم يكن للاقليات العراقية القومية والدينية كالتركمان والمسيحيين والكرد الفيلية والايزيدية والشبك والصابئة والارمن مواقف داعمة او على الاقل واضحة تجاه اقامة نظام حكم فيدرالى فى العراق. وعموما يرجع اصل فكرة المشروع الفيدرالى فى العراق الى تبنى برلمان كردستان العراق فى سنة 1992 مشروع (الفيدرالية فى العراق مابعد الدكتاتورية),وكما ان مصطلح الفيدرالية ترددت كثيرا كمطلب اساسى فى الخطاب السياسى للمعارضة العراقية باطرافها المتعددة فى اجتماعاتها المتوالية ومنها اجتماع لندن فى (14-20)من شهر كانون الاول (2002) واللذى عقد تحت شعار( من اجل بناء عراق جديد لما بعد صدام ) على اساس التعددية والديموقراطية والفيدرالية وحقوق الانسان. وشهدت الفترة بعد سقوط النظام الترويج بشكل مكثف لصالح نظام فيدرالى فى العراق.كما ان قرار مجلس الامن رقم(1546) كان له اضافات لصالح الفيدرالية, وبالاضافة الى ما تم ذكره التزم قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذى تم صياغته تحت رعاية بريمر بانشاء نظام فيدرالى فى العراق , وتوج هذا التوجه بصياغة الدستور العراقى الدائم الذى تم التصويت عليه فى 15 تشرين الاول 2005 والذى تبنى النظام الفيدرالى بصياغات متعددة وفى اكثر من فصل ومادة دستورية.

ان النموذج الفيدرالى العراقى الذى تبناه الدستور خلق انقسامات حادة فى المجتمع العراقى من بين مؤيد ومعارض له من قبل المكونات العراقية وقياداتها,وكان من بين المؤيدين للحكم الفيدرالى الاغلبية الشيعية والاحزاب الكردستانية,بينما تم رفضه من قبل المكون السنى وكذالك المكون التركمانى وبعض الاقليات لاعتقادهم بان النموذج الفيدرالى الذى اخذ به الدستور العراقى سيعرض وحدة العراق الى الخطر مما سينعكس بشكل سلبى على الحلقات الضعيفة من الاقليات العرقية والدينية فى العراق. لقد حاول الدستور العراقى 2005 ان يقدم ضمانات دستورية وحماية قانونية قوية ضد التمييز فى مواد عديدة ضمن باب الاول والثانى من الدستور العراقى مثل المواد الدستورية (2, 3 ,4 ,10, 14, 18, 19, 20, 34, 35, 42 و125 ) لتحقيق المساواة ومناهضة التمييز على اساس الانتماء العرقى ,الدينى,الاصل, الجنس,المعتقد واللون,وجاءت المادة (125) من الدستور العراقى ليعطى ضمانات دستورية للاقليات العراقية بالقول(يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان , والكلدان والاشوريين, وسائر المكونات الاخرى, وينظم ذالك بقانون).الا ان المكونات العراقية الصغيرة , وبالرغم من هذه الضمانات الدستورية,تعرضوا الى عمليات شبه ابادة فى ظل موجات العنف التى اجتاحت البلاد برمته ناهيك عن التهميش للمشاركة فى الحياة العامة والمحاولات الجارية لاذابة بعض الاقليات ضمن ثقافات اكبر من اجل تحقيق مكاسب جغرافية كما يحصل للشبك والكرد الفيلية والايزيدية.

ومن خلال استعراض النموذج الفيدرالى العراقى وفق المواد الدستورية التى حددت ملامح وخصائص هذا النموذج, وبالتركيز على دراسة المواد الدستورية من (110) الى المادة (121) نلاحظ بان هذه المواد من الدستور قد حددت صلاحيات الحكومة الاتحادية ومنحت صلاحيات واسعة لحكومات الاقاليم والمحافظات الغير المنتظمة فى اقليم , فان هذه المواد حددت صلاحيات الحكومة الاتحادية برسم السياسات بينما خولت الاقاليم عملية القيام بالتنفيذ, فمثلا المادة (110) من الدستور حدد صلاحيات الحكومة الاتحادية برسم السياسة الخارجيةو والتمثيل الدبلوماسى,والتفاوض بشان المعاهدات والاتفاقيات الدولية , وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها, ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية, ولكن اذا امعنا النظر فى الفقرة اولا ورابعا من المادة (121) نلاحظ بان الدستور العراقى قد منح للاقاليم والمحافظات صلاحيات سيادية واسعة لفتح مكاتب لها فى السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية للاقاليم مما يفتح لها مجال واسع للقيام بانشطة هى ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية. , مع العلم ان المادة 110 اشارت الى رسم (وضع) السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسى ولم تتطرق الى ذكر التنفيذ وهذا يترك المجال للتاويل والتفسير,فمن هو المسؤؤول عن التنفيذ؟ السفير ام ممثل الاقليم وكيف ستتعامل الدول المضيفة متابعة مصالحها فى الاقليم, مع السفير او مع ممثل الاقليم؟..

ان المواد الدستورية (115) و(121) قيدت السلطة الاتحادية امام سلطات الاقاليم,حيث ان المادة (115) خولت سلطات الاقاليم الحق فى رفض القوانين الصادرة عن مجلس النواب العراقى فى حالة نشوب خلاف بين السلطتين ,خاصة فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة, من خلال نص المادة اعلاه على ان (كل مالم ينص عليه فى الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية,يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة فى اقليم, والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقليم ,تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة فى اقليم,فى حالة الخلاف بينهما).ان مانصت عليها هذه المادة تعتبر حالة استثنائية فى النماذج الفيدرالية المطبقة فى العالم , ووفقا لهذه المادة والمواد الدستورية الاخرى من (109 الى 115) والمادة (121) ومن خلال دراستها نستطيع القول بان حكومة اقليم كردستان والحكومات الاقليمية الاخرى التى سوف تنشأ والتى يتم المطالبة بانشائها الان مثل اقيم صلاح الدين ,ديالى,نينوى والبصرة سوف تتمتع بصلاحيات واسعة تقترب فى اختصاصاتها من صلاحيات واختصاصات المقاطعات فى الدول الكونفيدرالية.ان النموذج الفيدرالى العراقى اضعفت قدرات الحكومة المركزية الى حد كبير من مواجهة التحديات التى تعرض وحدة البلد الى الخطر والقدرة فى التاثير على سياسات الاقليم الحالى والاقاليم التى سوف تنشأ وفقا للمصلحة الوطنية والقدرة على التدخل فى شؤونها الداخلية لحماية الاقليات التى قد تتعرض الى اضطهاد دينى او انصهار عرقى فى هذه الاقاليم.

ان رفض برلمان كردستان فى تخصيص مقاعد محددة للاقليات فى اقليم كردستان فى قانون انتخابات مجالس المحافظات المطروح الان على البرلمان للمصادقة يعزز تخوف ابناء الاقليات من المسيحيين والايزيدية فى اقليم كردستان من عمليات الاذابة.وهذا الموقف قد يتكرر فى اقاليم اخرى فى حالة انشائها متجاهلة قوانين الانتخابات لمجالس المحافظات والنواب الذى تم تشريعها من قبل مجلس النواب العراقى فى سنة 2008 و2009 والذى حدد بموجبهما عددا من المقاعد الخاصة للاقليات العراقية لتمثيلها فى السلطة التشريعية.

ان ماطرحه الدستور العراقى بشان النظام الفيدرالى وتكوين الاقاليم فى الفصل الاول من الباب الخامس من الدستور وتحديده لصلاحيات كلا من السلطة الاتحادية وسلطات الاقاليم ومانص عليه القانون الخاص بالاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم لسنة 2008 فتح الباب على مصراعيه امام المحافظات للمطالبة بتشكيل الاقاليم على اسس عرقية ومذهبية وخاصة ان المشرع العراقى لم يضع القيود على عدد المحافظات التى يمكن لها ان تشكل الاقاليم. ووفقا للمعطيات الموجودة على الارض ودراسة واقع العراق فان هذا البلد مرشح للانقسام الى ثلاث دويلات صغيرة مبنية على لسس عرقية وطائفية متنافسة ومتصارعة.وسوف يترتب على هذا الانقسام ظهور صراعات على الاقل فى ثلاثة ميادين مهمة:

اولا: الصراع على الارض والحدود الادارية للاقاليم

ثانيا:الصراع على الموارد الطبيعية وخاصة الموارد المائية والغاز والنفط

ثالثا:التطهير العرقى والمذهبى اللذى سوف يصاحب عملية الانقسام.

ان مايشهده العراق الان من جدل سياسى وصراع للارادات حول تواجد قوات البيشمركة فى مدينة خانقين وجلولاء وكركوك وسهل نينوى وفى المناطق المسماة بالمناطق المتنازع عليها ورفض هذه القوات الانسحاب الى داخل حدود الاقليم ماهى الا ظاهرة من ظواهر الصراع على الارض ومحاولة من قبل التحالف الكردستانى التوسع على حساب الحدود الادارية لمحافظة ديالى ونينوى. ان تشبث وتمسك القيادات الكردية بتطبيق المادة الدستورية (140) ورفض تطبيق هذه المادة من قبل المكون العربى والتركمانى فى كركوك باعتبارها ساقطة من حيث التقادم الزمنى دعت ممثل الامم المتحدة فى العراق فى سنة 2008 للتدخل لايجاد صيغة توافقية كمحاولة للخروج من ازمة كركوك وتداعياتها الخطيرة على مجمل الاوضاع الامنية فى العراق. ان التجاذبات والخلافات السياسية والصراع على الارض كان سببا فى عدم الاتفاق على تطبيق هذه المادة فى الفترة الزمنية المحددة دستوريا. ان مطالبة القيادات الكردية لم تقتصر فقط على المطالبة بضم محافظة كركوك الى اقليم كردستان بل تطالب بمناطق خانقين ومندلى وجلولاء من محافظة ديالى , وقضاء سنجار وشيخان وتلكيف والحمدانية وتلعفر وزمار من محافظة نينوى مع مناطق واسعة من محافظة صلاح الدين. وليس من الصدف اذن ان نجد بان القوات الامنية الكردية متمثلة بالبيشمركة والمخابرات الكردية قد دخلت المناطق اعلاه بعد سقوط النظام السابق مباشرة وكرست وجودها من خلال فتح العشرات من المقرات الحزبية مدعومة بالمخابرات وقوات الزريفانى الكردية.وقد رافقت هذه العملية القيام بحملات دعائية واسعة وترويج لفرض الهوية الكردية على الاقلية الشبكية وكذالك على المكون الايزيدى اللذى انقسم على نفسه بين مؤيد ورافض للهوية الكردية للمطالبة بمناطق سكناهم. ان الخلافات القائمة بين قائمة الحدباء والتاخى ومقاطعة الاخيرة لجلسات محافظة نينوى ماهى الا جزء من الصراع على الارض اولا وعلى الحدود الادارية ثانيا.

ان الصراع بين الاقاليم سوف لايقتصر فقط على تحديد الحدود الادارية لكل منها انما سوف يشمل الصراع ايضا على الموارد المائية والموارد الطبيعية .فقيام حكومة اقليم كردستان بالتعاقد مع شركات النفط العالمية للتنقيب واستخراج النفط فى مناطق كركوك وشيخان وبعشيقة ادى الى احتجاجات ورفض من قبل مجلس محافظة نينوى وكذالك من قبل الحكومة المركزية مما يهدد بنشوب صراع بين الاطراف ,قد يكون مسلحا. ان المناطق العربية الغربية اغلبها مناطق صحراوية فقيرة نسبيا من حيث مقارنتها بالمناطق الجنوبية والمناطق الكردية التى تحتوى على خزين نفطى كبير بعكس المناطق الغربية ,بالاضافة الى ان المناطق الغربية تفتقر الى توفير الامن الغذائى بسبب وقوعها فى المناطق الصحراوية او شبه صحراوية باستثناء الشريطين المحاذيين لنهرى دجلة والفرات, وفى حالة تشكيل فيدرالية سنية كما طالب ويطالب بها بعض القيادات السنية فانها سوف تعتمد على الاقليم الشيعى والكردى فى تجهيزها بالمواد الغذائية , وقد يستطيع الاقليم السنى التحكم بالموارد المائية وخاصة نهرى دجلة والفرات والسيطرة عليها للمطالبة بدعم غذائى واقتصادى لها من قبل الاقاليم الاخرى.ان احتمال نشوب صراع بين هذه الاقاليم ,تارة على الموارد المائية وتارة اخرى على الموارد الاقتصادية ومنها النفط والغاز امر وارد جدا.

ان تكوين الاقاليم وفقا للاسس العرقية والطائفية سوف يؤدى الى نشوب صراع ليس فقط بين المكونات العراقية الرئيسية وانما ايضا سوف يشمل المكونات العراقية الصغيرة.ان انتشار السنة فى العراق لايقتصر فقط على المناطق السنية بل يمتد انتشارها الى المناطق الجنوبية وكذالك الحال بالنسبة الى الشيعة. فهناك مثلا نسبة عالية من السنة منتشرين فى محافظة البصرة والحلة ومناطق اخرى وكما انه هناك نسبة عالية من الشيعة يقطنون محافظات ديالى وكركوك ونينوى واذا ما قدر النجاح للدعوات المطالبة باقامة الفيدراليات العرقية والطائفية سوف تشهد المحافظات العراقية نزوح سكانى كبير من والى المحافظات الشمالية والجنوبية وعمليات تطهير عرقى ومذهبى تمارس من قبل المتطرفين كما حدث فى بغداد خلال السنوات 2006 الى 2009وسوف يظهر تخندق طائفى فى العراق, والامر سوف لايختلف بالنسبة للاكراد القاطنين فى المدن العراقية ,وسيظطر الاكراد الى النزوح بغداد والمدن العراقية الاخرى باتجاه اقليم كردستان. وبدلا من ان يوفر النظام الفيدرالى الانسجام والتلاحم بين المكونات العراقية وحماية للاقليات واحترام التنوع الدينى والعرقى واللغوى والمذهبى كما يدعى مناصروا الانظمة الفيدرالية فان انشاء الاقاليم فى العراق سوف يطال الاقليات العرقية والدينية من خلال كبت حرياتهم الدينية وانتمائهم العرقى ومصادرة حقوقها.وماحدث من عمليات التطهير للمسيحيين فى مناطق الدورة و وللشبك والمسيحيين والايزيدية فى محافظة نينوى من عمليات قتل وتهجير , واستهداف الصابئة فى بغداد ماهى الا بوادر للتطهير العرقى والطائفى فى بعض مناطق العراق. لقد اجبرت هذه العمليات المسيحيين والصابئة والشبك والايزيدية الى مغادرة العراق والاتجاه نحو الدول الاوربية للاستقرار , وتشير التقارير الاخيرة بان عدد العوائل المسيحية التى تركت العراق فقط خلال سنة 2011 وصل الى 6000 عائلة. وليس من الغريب ان نجد ان بعض الاحزاب المسيحية بدات تطالب بانشاء كيان مسيحى يتمتع بنوع من الاستقلالية اومحافظة للمسيحيين تارة ومحافظة للاقليات فى سهل نينوى تارة اخرى.ان انشاء مثل هذه المحافظة سوف يعزز تكوين كانتونات داخل العراق مما سوف يؤدى بالمجتمع العراقى الى اعادة توزيع وتوطين السكان وفقا للولاءات العرقية والطائفية والمذهبية والتى سوف تؤسس لمقدمات للمطالبة بالانفصال.

الخلاصة:

ان النموذج الفيدرالى العراقى ليست ضمانة اكيدة لتطبيق حكم القانون وبسط السيادة على الاراضى العراقية, فالجيش العراقى عاجز عن الدخول الى المناطق المسماة بالمناطق المتنازع عليها ناهيك عن قدرتها فى الدخول الى الاقاليم فى حالة انشائها.كما ان النظام الفيدرالى العراقى غير قادر على حماية الحريات والاقليات العرقية والدينية واللغوية وحماية حقوق الانسان, ولابد نت الاشارة فى هذا السياق بان المادة 120 من الدستور العراقى حول الاقاليم بوضع دستور خاص لها بما ينسجم مع حاجاتها وهذا مما يفسح المجال اما م بعض الاقاليم من تبنى بعض السياسات التى قد لاتحترم التنوع العرقى والدينى والمذهبى واللغوى للاقليات فى الاقليم ولاتعترف بها .ان العراق اللذى يتكون من مجموعات من القوميات ذات تطلعات متباينة وتفتقر الى مجموعة واحدة قوية متجانسة عرضة لعدم الاستقرار اكثر من غيرها. ان النظام الفيدرالى العراقى وفر الارضية لبناء دولة داخل دولة بسبب الصلاحيات الواسعة التى تتمتع بها الاقاليم,هذا لايعنى بان العراقيين يرغبون فى العيش فى ظل دولة مركزية متشددة بسبب التنوع الدينى والعرقى واللغوى والمذهبى اللذى قد يسمح فيها بمصادرة الحريات وانتهاك لحقوق الانسان كما حصل فى ظل النظام الشمولى السابق ,وفى نفس الوقت لايمكن القبول بتمزيق العراق وتفتيته الى دويلات وحكومات صغيرة واقحام الشعب العراقى فى صراعات ,ولكن ماندعو اليه هو تحقيق التوازن مابين صلاحيات الحكومة الاتحادية والاقاليم من خلال اجراء تعديلات جوهرية على المواد الدستورية ذات العلاقة بصلاحيات الاقاليم للحفاظ على وحدة العراق وتفادى تقسيمه مع تحقيق مبدأ اللامركزية الادارية فى المحافظات العراقية على نطاق واسع .



المصادر

1.مجلس النواب العراقى,دستور جمهورية العراق2005

2.حنين محمود القدو,النظام السياسى والفيدرالى:وجهة نظر سياسية,بحث مقدم الى معهد النرويجى للشؤوالدولية فى مؤتمر عقد فى البحر الميت بين 5 اب 2008.

3.رونالد ل. واتس, الانظمة الفيدرالية,منتدى الاتحادات الفيدراليةوشبكة دولية للفيدرالية,2006

4.هاملتون,ماديسون,جاى,الاوراق الفيدرالية, ترجمة عمران ابو حجلة,دار الفارس للنشر والتوزيع,2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق